كتب الدكتور عبده جميل غصوب :
تثار كثيرا هذه الايام مسألة جواز وقف القرارات الصادرة عن دوائر التنفيذ من قبل محاكم الاساس.
هذا الموضوع يحكمه مبدأ ( اولا ) واستثناء ( ثانيا ).
اولا: المبدأ
المبدأ هو ان المعاملة التنفيذية ليست حكما لانها لا تفصل بنقاط قانونية متنازع عليها بين الخصوم، بل هي اجراء قضائي منظم بقانون اصول المحاكمات المدنية ومستقل تماما عن الاعتراض المقدم امام محكمة الاساس ضد هذه المعاملة والذي بنتيجته يصدر حكم ابتدائي، يكون بدوره قابلا للاستئناف وهذا الاخيرقابلا للتمييز.
اما قرارات رئيس دائرة التنفيذ فلها مسار قضائي مختلف تماما. وقراراته قابلة للاعتراض امام المرجع ذاته، او للاستئناف، تبعا لكل حالة على حدة، امام محكمة الاستئناف الناظرة بقضايا التنفيذ . ولا يصح، في اي حال من الاحوال، استئناف قرارات رئيس دائرة التنفيذ الا امام محكمة الاستئناف الناظرة بقضايا التنفيذ، والقرارات الاستئنافية صالحة بدورها للتمييز.
اما اذا رفع الاعتراض امام محكمة الاساس، فيعود لها ابطال المعاملة التنفيذية من اساسها لانتفاء الحق كليا او جزئيا، وحكمها هنا يكون قابلا للاستئناف والقرار الاستئنافي قابلا للتمييز، على مستوى ابطال الحق في الاساس وليس على مستوى قبول او رفض قرار رئيس التنفيذ، الذي لا يصح الطعن به الا بموجب اعتراض امامه، والقرار الصادر بنتيجة الاعتراض يكون قابلا للاستئناف امام محكمة الاستئناف الناظرة بقضايا التنفيذ والقرار الاستئنافي يكون قابلا للتمييز امام محكمة التمييز الناظرة ايضا بقضايا التنفيذ.
ولكن لا يصح ، في اي حال من الاحوال، طلب وقف تنفيذ قرار رئيس دائرة التنفيذ امام محاكم الاساس، لان المعاملة التنفيذية، كما ذكرنا اعلاه، لها مسار قضائي مختلف تماما عن دعوى الاساس.
( راجع في ذلك على سبيل المقارنة: قرار محكمة التمييز المدنية، الغرفة الرابعة، 7/6/2023، اساس 22/ 2022، غير منشور ).
ثانيا: الاستثناء:
اذا كان صحيحا ان الاعتراض على الحق المثبت في القرار الجاري تنفيذه، لا يخضع لمهلة معيّنة، كما انه لا يوقف تنفيذ القرار المطلوب وقف تنفيذه؛ فان الصحيح ايضا، انه اذا اقترن الاعتراض المذكور يطلب وقف تنفيذ، فأنه يقتضي ، في هذه الحالة، ان يكون قد جرى تقديم الاعتراض خلال مهلة العشرة ايام المنصوص عنها في المادة 851 أ.م.م. وقد اكد الاجتهاد القضائي هذه القاعدة المنصوص عنها في المادة 851 أ.م.م المذكورة اعلاه.
راجع على سبيل المثال ما يلي:
جاء في قرار القاضي المنفرد المدني في صيدا رقم 5 تاريخ 13/12/2016: ” ان مهلة الاعتراض على التنفيذ هي مهلة اسقاط تتعلق بالانتظام العام وغير قابلة للانقطاع او للتمديد ويتوجب على المحكمة اثارتها عفوا، وبانصرامها يسقط الحق بالاعتراض “. ( بنك بيبلوس ش.م.ل / علاء الدين ورفاقه ، العدل 2018، العدد الاول، ص 445 – 446 ).
ـ محكمة الدرجة الاولى في بيروت القرار رقم 141، تاريخ17/5/2012 ( بنك لموارد ش.م.ل / مبيّض وفيقيه )، العدل 2012، العدد الثالث، ص 1492 – 1496.
وقد جاء فيه ” ان مهلة العشرة ايام للاعتراض على معاملة تنفيذية مرتبطة مباشرة بالطعن المتعلق بمدى تمتع السند موضوع المعاملة بالقوة التنفيذية دون ان تقيّد حق المنفذ عليه في التقدم، خارج تلك المهلة، باعتراض تناول الحق المثبت في السند، ولكن دون وقف التنفيذ”.
ـ محكمة التمييز المدنية، رقم 106، تاريخ 2/12/2010 ( الجميّل / بطيش )، العدل 2011، العدد الرابع، ص 1709 – 1711.
ـ محكمة الاستئناف المدنية في لبنان الشمالي، قرار رقم 677، تاريخ 28/10/2010. وقد جاء فيه: ” يعتبر الاعتراض على تنفيذ معاملة تنفيذية واردا خارج المهلة القانونية بالنظر لعدم ابطال وثيقة التبليغ والاجراءات اللاحقة له، من قبل المرجع المختص. وتعتبر هذه المسائل متعلقة بمدى قابلية السند للتنفيذ المباشر وسبق الادعاء وقوة القضية المقضية لا يمكن اثارتها امام محكمة الموضوع بعد مرور مهلة العشرة ايام المحددة قانونا ( احمد علي / قباطي )، العدل 2011، العدد الثاني، ص 831 – 833.
ـ المحكمة الابتدائية المدنية في بيروت، قرار رقم 297 تاريخ 15/12/2016 ( شركة ندري انترناشيونال – بايكو ش.م.م / شركة دردشان ش.م.ل وفيقاها )، العدل 2017، العدد الثاني، ص 944-950 . وقد جاء فيه:
” ان الاعتراض على الحق المثبت في السند الجاري تنفيذه لا يخضع لمهلة معيّنة كما انه لا يوقف تنفيذ الحكم، ولكن يجب ان يقدم اولا اعتراض على التنفيذ ضمن المهلة المحددة قانونا”.
يعد انقضاء مهلة العشرة ايام على تبلغ المعترض القرار المطعون فيه، يصح الطعن بانتفاء الحق موضوع المعاملة التنفيذية كليا او جزئيا. ولكن لا يتوقف التنفيذ هنا الا في حالة ادعاء التزوير.
وقد استقر الاجتهاد القضائي على ذلك.
انظر على سبيل المثال:
ـ تمييز مدنية ، قرار رقم 217 تاريخ 30/12/2013، مجموعة باز – السنة 2013، رقم 52 ـ ص 1097-1095. وقد جاء فيه : ” لا يوقف الطعن التنفيذ الا اذا كان مسندا الى التزوير، فاذا ادعي تزوير السند امام المحاكم الجزائية، يقرر رئيس دائرة التنفيذ وقف التنفيذ حكما، حتى الفصل بهذا الادعاء بقرار مبرم. اما اذا أدعي بالتزوير امام المحكمة المدنية، فتفصل هذه المحكمة بطلب وقف التنفيذ، ويبلغ القلم قراراها الى دائرة التنفيذ للعمل بموجبه: مجموعة باز، السنة 2013، رقم 52، ص 1097-1095.
ـ محكمة الاستئناف المدنية، لبنان الجنوبي، قرار رقم 63، تاريخ 4/4/2013، العدل 2014، العدد الثاني، ص 863-862. وقد جاء فيه: ” يوقف التنفيذ حكما في حال ادعاء تزوير السند الجاري تنفيذه”.
ـ محكمة الاستئناف المدنية في لبنان الشمالي، قرار رقم 137، تاريخ 12/3/2013 ( البنك اللبناني الفرنسي ش.م.ل / صّوان ورفاقه )، مجلة العدل، 2014، العدد الثاني، ص 879-878. وقد جاء فيه ” ان المقصود بادعاء التزوير في اية حالة كانت عليها المحاكمة، اكتشاف التزوير اثناء السير بالدعوى والاعتراض على التنفيذ، وطلب ابطال المعاملة التنفيذية بسبب تزوير الكفالة الجاري تنفيذها، يعتبر ادلاء غير جدي بالتزوير يرمي الى المماطلة “.
ما يعني انه حتى في حالة الادعاء بالتزوير، فان هذا الامر لا يوقف التنفيذ الا اذا كان الادعاء جدياً وليس فقط مجرد ادعاء يرمي الى المماطلة.
هذه الاحكام والقرارات القضائية تثبت بما لا يقبل الشك ان الاعتراض المقدم امام المحكمة الابتدائية ، لا يؤدي الى وقف التنفيذ اطلاقا، الا اذا كان موضوع الادعاء هو تزوير القرار المطلوب تنفيذه.
ان اي تفسير آخر للمادتين 850 و851 أ.م.م. يجعلهما منعدمي الاثر ! ما يخالف المادة 4 أ.م.م التي توجب تفسير النص التشريعي بالمعنى الذي يحدث معه اثرا وليس بالمعنى الذي يعدمه.
( راجع في ذلك : عبده جميل غصوب، المدخل الى العلوم القانونية، منشورات صادر، 2018، ص 258 ).
فحذار من ” الخلط ” بين الطبيعتين القانونيتين المختلفتين للاحكام القضائية من جهة وللمعاملة التنفيذية من جهة أخرى. ان وضع ” المؤسسات القانونية ” institution juridique في اطارها القانوني الصحيح، يوفّر الكثير عن النقاشات العقيمة ؛ فالقانون ليس ” وجهة نظر”، بل يخضع لقواعد تفسير علمية لا يصح تجاوزها.
الامل ان تستقيم الامور مستقبلا ، فيستقر الاجتهاد.