إذا كان عام 2020 عام الجائحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية، وعام النكبة على كل اللبنانيين، فإن وطأته كانت الأشد على المسيحيين في بحر الشائعات التي تتحدث عن أوضاع مستقبلية مقلقة للمسيحيين في لبنان، وملامح تغيير النظام السياسي، وفى ضوء التهميش الذي تتعرض له الرئاسة الأولى، والحرب التي تُشنُّ على الموقع الماروني في رأس السلطة.
لكن، وعلى الرغم من كل ما يحصل مسيحياً، يبقى انفجار 4 آب هو النكبة الوطنية والمسيحية الكبرى. فهو إن دلَّ على سقوط الدولة بكامل أفرعها السياسية والأمنية، واختفائها عن تحمّل المسؤولية، إلاّ أن انفجار المرفأ ينعكس على مستقبل المسيحيين وواقعهم وحضورهم، خصوصاً ان الإنفجار وقع في منطقة تحمل معاني الصمود المسيحي في الأشرفية والضواحي.
فبعد الإنفجار تعززت المخاوف المسيحية ومشاعر القلق حول وجودهم ومستقبلهم، في ضوء التقارير عن تراجع أحوال المسيحيين وتدهور أوضاعهم إقتصادياً وإجتماعياً، إستناداً إلى أعداد البطالة وإقفال المؤسسات، ومع تزايد أعداد المهاجرين من الطائفة الى أميركا وكندا وفرنسا وبلدان بعيدة، لا يُمكن العودة منها في المدى القصير، بحثا عن إستقرار وفرص عمل وظروف حياتية افضل، بعدما كان عَدّاد السفر لدى المسيحيين قد شهد تراجعات كبيرة في السنوات الأخيرة.
وبالحصيلة يمكن القول ان المسيحيين هم الفئة الأكثر تضرراً في السنوات الأخيرة. فهم دفعوا فواتير الحرب والسلم وثمن التسويات والتفاهمات، كما ان علاقة القيادات المسيحية مع بعضها لم تكن أبداً على خير ما يرام، وهي لم تُقدِم على تفاهمات تصب لمصلحة المسيحيين، ودفعوا ثمن تمسكهم بالطائف أكثر من القيادات الأخرى.
المشهد المسيحي المتأزم زاد تعقيداً مع كارثة الانفجار، فتوسع الشرخ بين الجمهور المسيحي والقيادة السياسية، وهذا ما تُرجِمَ بإرتفاع الخطاب اليميني في الشارع المصاب بالانفجار، وفي تعزيز الخطاب المتطرف الذي لم يظهر في المراحل السابقة، ومنها طروحات الفيدرالية.
تفجير بيروت شكل الدافع الأقوى لتفكير اللبنانيين بالهجرة، لأنه أيقظ الهواجس النائمة، فالنكبة التي حصلت في الشارع المسيحي لا توازيها أي نكبة حصلت حتى في سنوات الحرب الطويلة.
المفارقة المؤلمة ان السلطة تجاوزت مأساة الناس، وتتناتش الحصص في موضوع تأليف الحكومة، وكأن مدينة بيروت لم تُدمّر بعصف الانفجار، أو ان الشعب اللبناني لم يُصبح نصفه تحت خط الفقر.
الوضع المسيحي في العام 2021 لن يكون أقل سوداوية. فالمسيحيون متروكون الى قَدَرِهم، فجائحة كورونا والأوضاع المالية المتعلقة بحجز أموال الناس في المصارف قد أوقفت نزيف الهجرة، في ظل تأثر دول العالم بالوباء والاوضاع الصعبة التي لا تشجع هذه الدول على استقدام المزيد من العاطلين عن العمل اليها، لكن المؤشرات لن تبقى على حالها، ما ان تختفي الجائحة التي تجتاح العالم، في حال استمر الوضع بالانهيار.
ابتسام شديد-ليبانن فايلز