
أَسخفُ ما يوجِعُ في هذه الأَيام المالحة: هذه الهوَّةُ الرهيبة الـفاجعة بين مواطنين زحلة في بيوتهم الضامرة، وشخصيات في قصورهم العامرة.
أَقول: الهوَّة “الرهيبة الفاجعة” وأَقصِد الصفتَين معًا: ففيما المواطنون يبحثون عن إِنتاج معيشيّ يوصلهم إِلى الحياة، تبحث شخصية زحلية حاولت دخول المعترك السياسي عن پـوانتاج إِنعاشي يوصلها إِلى زعامة الموارنة في زحلة لكنه حلم بعيد المنال في ظل وعي الزحلين و تفهمهم لواقعهم المرير .
الناس في زحلة مُربَكون خائفون تائهون بين مِطرقة الدولار ومِقصلة الـمُرابين في كلِّ قطاع، وهو مشغول بالتحضير لجمعية من أموال المنظمات غير الحكومية تصرف في غير مكانها لحسابات شخصية .
وعلى ذكْر الوعود الهوائية والعنتريات الدونكيشوتية، وصَلَتْني أَمس من صديق لي هذه القصة عن مرشَّح للانتخابات وصل إِلى زحلة يشحَنُ سكانها وُعودًا لتأْيــيده يوم الانتخاب. تَجمَّع حوله شبَّان في الساحة، فسأَلهم عن أَهمِّ ما يَنقُصهم في القرية، فأَجابوا أَنهم يَفتقدون عدة عناصر ملحَّة. فقال: “هذه بسيطة. الآن أَتَّصِل بمكتبي كي تُدوِّنَ السكرتيرة هذا البنود لكنها بقة وعودا في الهواء حتى يومنا هذا .
هذه الكذبةُ الفاضحةُ واحدةٌ من نماذجِ وُعودٍ سيُغدِق بها المرشَّح الفاشل على الناس من اليوم حتى موعد الانتخابات. وكما ذاك الشابُ في القرية فضَح المرشَّح الكذَّاب، أَتمنى أَن يفْضَح الناسُ المرشحين. فسوف يسمعون الكثير من الوُعُود والإِغراءات والبطاقات التمويلية والتموينية وسائر لوازم الكَذب ، خصوصًا ممَّن يَشعرون أَن عروشهم تهتزُّ مهدِّدةً مستقبلَهم السياسي بعد دونكيشوتياتهم خلال سنواتٍ أَربعَ ماضيةٍ لم يَبْنُوا لناسهم سوى قصور في الهواء. ولا أَظنُّ سيبقى للمرشحين إِلَّا زُمرةُ سُذَّجٍ بين أَزلامهم سيظلُّون يصدِّقونهم ويَرَون فيهم خيرَ من يُنقذ لبنان من كوارثه المتراكمة.
حالُ هؤُلاء السُذَّج الأَغناميين المساكين تُذكِّرني بما جاء في مقدمة ابن خلدون أَنَّ “المغلوب يتشبَّه بالغالب في أَحواله. فالعامَّة على دين ملوكهم، لأَنَّ الملِكَ غالبٌ كلَّ مَن تحت يده، وأَهلُ الرعية مُقْتدون به لاعتقاد الكمال فيه”.
حالُ المرشَّح الكذاب تنطبق عليهم عبارةٌ بليغةٌ للكاتب الإِنكليزي جورج أُورويل كتبَها سنة 1948 جاء فيها: “الشعبُ الذي يَنتخب الفاسدين والمحتالين والكذَّابين واللصُوص والخَوَنة، ليس شعبًا ضحيَّة بل شعبٌ مُتَواطئ”.
الزحالنة اليوم، بعد الذي يمرُّون به من فواجعَ في لُقمة عيشهم وقرشهم المسروق ورعبه من الآتي، لا أَظنُّ أَنَّ فيه بعدُ سُذَّجًا يصدون المرشح الكذاب .