الفيدرالي يرفع الفائدة ويلاعب اليورو واليوان واقتصادات الشرق الأوسط
عندما يرفع البنك الفيدرالي الأميركي الفائدة بصورة صادمة أو فجائية ودفعة واحدة، تتعرّض البنوك في العالم لاهتزاز عنيف. لذلك رفع الفيدرالي الفائدة هذا العام على اربع مراحل، 3 مرات في الربعين الأول والثاني من السنة حتى يونيو/ حزيران، ثم أعاد رفعها للمرة الرابعة في شهر يوليو/ تموز الماضي للربع الثالث من العام مجددًا سياسته النقدية لاعتبارات ناتجة عن صدمتين، تداعيات صدمة الوباء العالمي وصدمة الحرب في أوكرانيا والصراع الجيوسياسي.
ففي كل مرة يرفع الفيدرالي الفائدة، يوجّه دعوة لرؤوس الأموال السّريعة الحركة للعودة والاستقرار في البنوك الأميركية والإبتعاد من الاقتصادات الناشئة غير المستقرة. وبهذه الحالة تخسر اإقتصادات الدول النامية مليارات الدولارات من الودائع التي تترك بنوك هذه الدول بشكل مفاجئ وعنيف
وتلبّي الرساميل دعوة الفيدرالي وتهرول إلى الولايات المتحدة حيث جاذبية رفع الفائدة، الأمر الذي يعرض سعر الصرف في الدول النامية للاهتزاز نتيجة هروب الرساميل المودعة بالدولار. فتنخفض قيمة العملة المحلية وتدخل هذه الدول في مخاض المفاضلة بين خيارين: رفع الفائدة لمجاراة الفيدرالي أو خفض قيمة العملة بديلاً عن استخدام الاحتياطي للمحافظة على سعر الصرف.
تهدف السياسة النقدية الأميركية إلى اتخاذ خطوات علاجية لأمراض البطالة والركود والتباطؤ الإقتصادي داخل السوق الأميركي. وهو ما يدفع البنك الفيدرالي الأميركي لتجديد سياسته النقدية عبر رفع الفائدة. إذ تجاوز الانكماش الاقتصادي في الربع الأول من عام 2022 في السوق الأميركي قرابة ال1.5%. وعندما يمرض الإقتصاد الأميركي فما على بقية الاقتصادات في العالم إلا بدء العلاج والتداوي بالدواء المناسب.
يمثل الإقتصاد الأميركي ربع الإقتصاد العالمي. فمن بين كل مئة سيارة تُصنع في العالم، تذهب 25 منها للسوق الأميركي. وعليه، يعتبر البنك الإحتياطي الفيدرالي مؤسسة نقدية أميركية همُّها صحة الإقتصاد الأميركي، وهو ضابط إيقاع رفع الفائدة وجذب الرساميل من كل انحاء العالم إلى البنوك الأميركية.
فالفيدرالي بسياسة رفع الفائدة يدفع ببقية الاقتصادات والبنوك المركزية بالعالم إلى حافة الهاوية عبر هروب الرساميل السّريعة الحركة إلى الولايات المتحدة للاستفادة من رفع الفائدة وتخفيف مخاطر الإقتصادات غير المستقرة.
أثّر التباطؤ الإقتصادي على القدرة الشرائية للأميركيين، فضعُفَت وانخفض الطلب على شراء العقارات والبيوت والسيارات، وقلّ الطلب على الإقتراض من البنوك أو شراء الدين نتيجة ارتفاع أسعار الفوائد. ونتيجة الانكماش الناتج عن رفع الفائدة قلّ الطلب على السلع كافة في كل السوق الأميركي. إنكمش الاقتصاد الأميركي في الربعين الأول والثاني من العام الحالي، وبحال استمراره في الربعين المقبلين يكون الإقتصاد الأميركي قد دخل في الركود بشكل أعمق.
أما سوق الاسهم فتأثرت هي أيضًا برفع الفائدة، وباع المستثمرون الأسهم غير المضمونة، وركّزوا استثمارهم على الفرص البديلة في السندات والأصول الأميركية المضمونة التي تصدرها الحكومة. فهرولت الرساميل إلى البنوك الأميركية لكي تستقر في الأصول والسندات المضمونة هاربةً من منطقة اليورو واليوان الصين. فهبط اليورو وتذبذب اليوان وقاوم بصمت، كما هبطت الأسهم منذ بداية العام بنسبة 20%.
والنموذج الأوضح، كان اليورو إذ عجز البنك المركزي الأوروبي عن مجاراة البنك الفيدرالي الأميركي برفع الفائدة بالسرعة والوتيرة نفسها خشية دخول منطقة اليورو في الركود وانخفاض النمو. خصوصًا بعدما نجحت روسيا في ملاعبة الأوروبيين وإشعارهم بالعجز أمام سلاح الغاز. فلم يسارع المركزي الأوروبي إلى رفع الفائدة خشية تدني النشاط الاقتصادي وهروب الاستثمارات التشغيلية والمتحركة.
يئن اليورو امام قوة الدولار وتعادل معه بعد أن فقد حوالى 20% من قيمته لأول مرة منذ 20 سنة. وتماشيا مع الفيدرالي الأميركي، رفع المركزي الأوروبي الفائدة متأخرا الشهر الماضي بنسبة 0.5%، ولا قدرة له على رفع الفائدة مرة جديدة خشية أن يعرض أوروبا لركود كبير ونقص في الكاش في منطقة تعاني اصلا من ركود تضخمي نتيجة الحرب في أوكرانيا ومنع الغاز والنفط والحبوب والأسمدة عنها من الجارة الأقرب إليها روسيا. لذلك تخلت رؤوس الأموال عن أوروبا وهربت إلى المصارف الأميركية لعدم جاذبية الفائدة أوروبيًا، ولإدراك المستثمرين والمودعين أن القائمين على السياسة النقدية الأوروبية لن يرفعوا الفائدة لأن رفعها سيعمق الأزمة في السوق الأوروبية المشتركة.
أما الصين، أصيب اقتصادها بوعكة أخف من عوارض الإقتصاد الأوروبي جراء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أن قدرتها الداخلية المرتكزة على حجم اقتصادها والتعداد السكاني يقوي مناعتها الإقتصادية والنقدية. فنجحت بامتصاص الصدمة الإقتصادية والمالية جراء الحرب المجاورة لها، كما امتصت صدمة الفيدرالي برفع الفائدة.
وبرهنت نجاة اقتصادها من شرك الأزمة، باعتبارها تمتلك ثاني أكبر اقتصاد في العالم من حيث الحجم والذي يكاد يوازي بحجمه الاقتصاد الأميركي. فحاولت الصين إخفاء تأثرها بالأزمة وبرفع الفيدرالي للفائدة، وظهر ذلك مع أزمة البنوك الصينية التي تعاني من مشاكل مع المودعين.
إذ شهدت الصين لأول مرّة تظاهرات للمودعين المجمدة حساباتهم في عدة مقاطعات الشهر الماضي،وهي تتخبط بمشاكلها الداخلية بصمت وتسعى لتامين فرص عمل جديدة للشباب الصيني بعد أزمة كوفيد 19 وإمكانية إعادة تفشي الوباء من جديد. ويأتي ذلك مع تسجيل نسية نمو ضعيفة 0.4% في الربع الثاني من العام الحالي ما يجعل صعبا على الصين تحقيق هدفها بنسبة نمو 5.5% هذا العام