أخبار محلية

كتبت د. ريتا السلوى عطالله باحثة في علم النفس وعلم الإجتماع صاحبة موقع “كوين نيوز” الإخباري والإلكتروني

بيوتكم اشتاقتلكم…

ليس التواجد السوري في لبنان حديث العهد، فالكثير من العمال السوريين توافدوا إلى لبنان للعمل منذ عشرات السنين ،خصوصا في الزراعة الموسمية والبناء والنظافة، كما أن الكثير من المواطنين السوريين كانوا يزورون لبنان للتبضع باستمرار،تحديدا في منطقة شتورا ،ولزيارة أسواق مدينة زحلة الراقية.
واليوم يعتبر لبنان بلد النزوح الأول عالميا في استقبال النازحين السوريين، منذ اندلاع الأزمة السورية في آذار من العام 2011، مقارنة بمساحته الجغرافية الصغيرة وعدد سكانه الضئيل ،ناهيك عن العدد غير الرسمي وغير المحدد من قبل منظمات المجتمع الدولي التي تخفي العدد الحقيقي للنازحين.

وقد صرح الوزير درباس يوما ان الاقتصاد اللبناني سجل خسارة تقدر بحوالي العشرين مليار دولار، ناهيك عن استهلاك البنى التحتية. ولا ننسى أزمة الخبز التي تسبب بها جيراننا، نتيجة استهلاكهم اكثر من 400 الف ربطة خبز يومبا.

وقد قصد الكثير من الأشقاء السوريين الهيئة العليا للاجئين للتسجيل كنازحين ،وهكذا دخلوا بصفة غير نازح ،الأمر الذي يبرز احتيالهم على الدولة اللبنانية . ويجب أن لا ننسى أن لبنان لم يوقع اتفاقية العام 1951 الخاصة باللاجئين، لذا فهو يعتبر بلد عبور لا بلد لجوء.

نحن شعب يحترم ثقافة إحترام الحياة الإنسانية ،اذ تربطنا بالأشقاء السوريين علاقة صداقة وقربى ومصاهرة ،لكن البعض الآخر لن ينسى الموروثات التاريخية المرتبطة بالإحتلال السوري للبنان، خصوصا الزحليين الذين فقدوا أشخاصا أعزاء على قلوبهم ،خلال حرب نيسان 1981 ،بالاضافة طبعا الى الإنتهاكات الأخلاقية التي قام بها الجيش السوري تجاه الشباب اللبناني ، إبان عهد الوصاية السورية ، لا سيما تجاه الأحزاب المسيحية كالتيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية والكتائب ، ولن يغيب عن عيوننا صور الشباب المضرجين بالدماء والمرمين على الطرقات في 7 آب.

ومع دخول الأزمة السورية عامها الثاني عشر، أصبح النازحون يشكلون ثلث مجموع المجتمع اللبناني، أي حوالي المليون ونصف المليون لاجىء.
هذه القضية وطنية بحتة ولا تحتاج لمناكدات أو كيديات لأنها تخص كل لبنان ،وليست قضية التيار الوطني الحر وحده ،الذي حذر رئيسه المهندس جبران باسيل من خطورة هذه الظاهرة التي تلوح بالبلاد ،وهذا الموضوع خطير جدا في حال لم تتم معالجته لأننا سندخل في مشكلة خطيرة جدا، فما من بلد يمكنه أن يتحمل عبءمليون ونصف مليون لاجىء ، مع العلم أنه يعاني من ازمة اقتصادية غير مسبوقة كما أن موارده قليلة .

وقد حذر الوزير جبران باسيل، في تموز2022، مما سماه “المخاطر الأمنية التي تتخفى بعباءة النزوح السوري”، مشددا على ضرورة مواجهة خطر” تنظيم الدولة الإسلامية “،وقد جاء ذلك في كلمة له ، خلال حفل إطلاق “حملة دعم صندوق النهوض اللبناني، لمساعدة البيئة الحاضنة للنازحين السوريين”،ولا نستطيع ان نغض الطرف عن ان الدولة السورية باتت بمعظم اراضيها آمنة، ناهيك عن أن الكثيرين صاروا يزورون أهاليهم باستمرار،ويمضون إجازاتهم في بلدهم الأم، كما أنهم إنتخبوا رئيسهم ثم عادوا الينا وهذه فضيحة اخلاقية وعالمية لا تهضم ولا تبرر.

ومع تزايد الاحتقان والتوتر لدى غالبية اللبنانيين ،مع إرتفاع معدل السرقات والجرائم والإغتصابات ، في ظل غياب الرقابة الكاملة من قبل الدولة التي لم تنظم وضع مخيمات اللاجئين كما يجب، يطالب اللبنانيون بعودة الأشقاء إلى بلادهم ، ويستفزهم أن المواطن السوري يدخل المستشفى مجانا ،فيما لم يعد بمقدور اللبناني الدخول الى غرفة الطوارىء .

ما من دولة في العالم يمكنها أن تتحمل هذا الكم الهائل من اللاجئين، وقد صرح الوزير مكاري، في 27 نيسان 2022 ، “ان النازحين يأكلون كل شيء في البلاد، وهذا الموضوع بات خطيرا إذا لم تتم معالجته،لأن البلاد ستدخل في مشكلة كبيرة كون مواردها ضئيلة”، وليس هناك جدية وتكاتف بين السياسيين لمعالجة هذه الازمة المستفحلة بالبلاد والعباد.

وتقول الاحصاءات الأكثر واقعية وحداثة ،وذلك بحسب وكالة الأنباء الكويتية والمجمعة من عدة مصادروالتي صدرت بتاريخ 27تموز 2022 :”أن كلفة النازحين السوريين على الإقتصاد اللبناني تصل إلى 3 مليارات دولارات أميركية في السنة الواحدة ، أي ما يعادل 36 مليار دولارا، خلال العشرة سنوات المنصرمة، فيما دخل لبنان دعم عربي ودولي للاجئين قدر ب 9 مليارات دولار فقط.

على المجتمع الدولي ضرورة إلتزام وإحترام كرامة النازحين ،ورفض مبدأ الدمج أو التوطين، واحترام سيادة الدولة اللبنانية التي شددت في بيانها الوزاري على ضرورة تأمين العودة الآمنة للسوريين، ورفض أي شكل من أشكال الدمج أو التوطين في مجتمعنا المضيف .
وقد صرح رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في 29 نيسان 2022 :”أننا لم نعد قادرين على لعب دور الشرطي لصالح الدول الأخرى ، وأن لبنان لم يعد لديه المازوت للقوارب لمراقبة الشواطىء والبحر”، ولا يمكننا أن ننسى العمل الدؤوب الذي تقوم به مؤسسة الجيش اللبناني وخفر السواحل عبر ملاحقة وإحباط عمليات التهريب عبر القوارب غير الشرعية .
كما أن الحكومة اللبنانية تصعد يوما بعد يوم تجاه الأمم المتحدة والدول الغربية المعنية بمساعدة اللاجئين، وقد صرح وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار قائلا:” نحن لا نعزل أنفسنا عن المسألة الإنسانية وحقوق المواطن والإنسان، بل على العكس نحن نلتزم بها، ولكن الأمور فاقت قدرة الدولة اللبنانية على التحمل”.

من خلال ما تقدم يمكننا القول أنه يتوجب على جميع القوى السياسية ،دون استثناء ، ومهما كانت الإختلافات فيما بينها، أن ترصّ الصفوف وتوحّد قواها وقراراتها وأن تلتقي على ضرورة عودة الأشقاء السوريين إلى ديارهم نخوفا من الإرهاب ، كما يطلب من وزارة الخارجية والمغتربين ومؤسسة الأمن العام أن تسلما مفوضية الأمم المتحدة الخاصة بشؤون اللاجئين، البيانات بأسماء المسجلين، والذين سقطت عنهم صفة اللاجىء ،بحكم تنقلهم الدائم بين البلدين الجارين ،وبالتالي التوقف عن تقديم أي مساعدات مادية أو معنوية إليهم،كما يجب أن تطبق القوانين عليهم فمن يصدر بحقه حكم ما يجب أن يرحّل فورا إلى بلاده وهذا ما تقوم به كل الدول التي تحترم وتطبق شرعة حقوق الإنسان.

ح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!