خاص الموقع

تحت عنوان:عودة شبه حتمية للتعليم عن بعد:

كتبت الباحثة في علم النفس والاجتماع الدكتورة ريتا  السلوى عطالله على حسابها على الفيس بوك:

 

إعتقدنا خلال العام الفائت ،أن إحدى الترتيبات التي فرضتها أزمة جائحة الكورونا، وهي الحجر المنزلي ،سوف تكون وجيزة ولن تستمر لأكثر من بضعة أسابيع. لكننا ندخل عامننا الدراسي الثاني، ونحن مهددون بالتعليم المدمج او بالتعليم عن بعد ،إن بسبب المخاطر المستمرة للكوفيد 19، أو بسبب ازمة المحروقات التي باتت تهدد مستقبل طلابنا بالحجر، حتى إشعار آخر.
والحياة لم تعد كسابق عهدها ، والأجواء المنزلية لم تعد سليمة ، بسبب الضغوطات الإقتصادية والمعيشية التي تعيشها معظم الأسر اللبنانية ،إن بسبب صعوبة تأمين المواد الحيويّة كالبنزين والدواء،أو بعد أن بات الكثير من الأهل عاجزين عن الإستماع إلى شكاوى وهموم أولادهم ،بسبب مشاغلهم الدائمة ، كما لم يعودوا يملكون الوقت الكافي بسبب إنشغالهم الدائم على هواتفهم، بانتظار فتح منصات تعبئة الوقود ومن ثم الوقوف أمام طوابير الذل، أو بسبب الضغط النفسي الذي سببه إنقطاع التيار الكهربائي المستمر،وإرتفاع تكلفة تعرفة الكهرباء وخدمة الانترنت الضعيفة والبطيئة التي تعرقل عملية التعليم والتعلّم.

لا شك في أن الاطفال هم الفئة الأكثر تأثرا بذلك الوضع المرير الذي خلفه الحجر، فقد حرموا من أبسط حقوقهم في الذهاب إلى المنتزهات واللعب مع أترابهم ،الأمر الذي انعكس سلبا على سلوكياتهم وعلى روتينهم اليومي، ،خصوصا لدى أطفال مرحلة الروضات الذين أضحوا يمرون بمشاعر متقلبة بين الفرح والحزن والخوف والغضب، فهم فيزيولوجيا” بحاجة إلى الحركة الدائمة كي يكتمل نموهم الجسمي والحركي ،إذ يعانون اليوم ، من صعوبة الجلوس والتركيز لأكثر من خمسة عشرة دقيقة متواصلة ، بعد أن اعتادوا الإدمان على الألعاب الإلكترونية التي باتت جزءا لا يتجزأ من معيوشهم اليومي، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي ولّد صعوبة في التركيز وفي التفاعل المباشر مع باقي الأطفال.

كل هذه العوامل متضافرة ولّدت ضرورة العمل على معالجة هذه المشاكل التربوية والنفسية ،عبر السعي إلى تزويد الطالب بالوسائل الحسية والبصرية والسمعية ،من خلال تقديم بعض النشاطات التربوية التي تدعم الطالب نفسيا،اذ تساعده على اعادة التركيز بطريقة عفوية وسلسة ،خصوصا عبراللعب، بالإضافة إلى ضرورة المتابعة الدائمة والمباشرة من قبل المدرسة وخلق النقاش والحوار وقراءة القصص لتقوية الخيال وتنمية المهارات لدى الجيل الناشئ، وزيادة درجة الحماس وحب الإستطلاع والدافعية .كما يجب أن لا ننسى أهمية العلاقة المباشرة والتفاعل مع الأقران والمعلّم الذي يقوي من مناعة الطالب، ويبعد عنه شبح الشعور بالملل والتفّرد بالقرارات والوحدوية والتسلط والأنانية.

خلاصة القول، على كل مدرسة العمل على تركيز الجهود على مواجهة آثار كورونا الاجتماعية والنفسية التي شملت جميع شرائح المجتمع، لا سيما الأطفال، إذ توقفت معظم النشاطات الرياضية والفنية والترفيهية ، ومن ثم السعي إلى الموازنة بين الإحتياجات التعليمية والعاطفية والإجتماعية للطالب ،بالإضافة طبعا إلى ضرورة مراعاة صحة وسلامة البيئة المدرسية . من هنا تأتي أهمية المؤسسة التعليمية كونها تزرع روح المحبة والتنافس، بما تقدمه للطالب من أوجه للتفاعل وفرص للتعارف ،لأنها المكان الأول الذي ينسج فيه الفرد اولى صداقاته ، خصوصا وأن معظم الأسرالحديثة باتت تحتوي على ولد أو ولدين ،ناهيك عن فترة المباعدة بين الولد الأول والثاني ،إن بسبب عمل المراة خارج المنزل ، أو بسبب الوضع الإقتصادي المتردي الذي الزم معظم الأسر على تحديد النسل ، حتى أن وجود الأخوة لا يمكن أن يعوّض ضرورة وجود الرفاق الذين يعيشون سويا المناخ النفسي ،الصحي ،السليم والسعيد، بالإضافة إلى الدعم النفسي -الإجتماعي الذي يقدمه الجو الدراسي ، كي يصبح الفرد قادرا على وعي امكاناته وقدراته وإبداء اهتمامه المعرفي.كما يجب علينا أن لا ننسى الحضن الدافىء الذي تؤمنه المعلمات، حيث يفرغ فيه التلميذ شحناته العاطفية والجسدية الزائدة من خلال ممارسة المعلمة لأدوارها المتعددة:التعليمي ،التربوي، الأخوي والامومي.
ولا يقتصر الدورالإرشادي والوقائي والعلاجي على المدرسة فحسب، بل يتعداه الى ضرورة ممارسة الأهل لصلاحياتهم التي خصهم بها الله دون غيرهم ،ومنها على سبيل المثال لا الحصر :الأجابة عن الأسئلة التي تقلق أولادهم وتؤثر على صحتهم النفسية ،عبر المحافظة على الحياة الأسرية ،العائلية والإجتماعية السليمة ،والحد من الساعات الطويلة التي يقضيها الأطفال أمام شاشات التلفزة، ممارسين إدمانهم وهوايتهم المفضلة على الألعاب الالكترونية المضيعة للوقت وللتركيز. كما يجب على كل أم وأب مسؤولين وواعيين، السماح لهم بالمشاركة في الاعمال المنزلية ،الأمر الذي يولد لديهم الشعور بالأمان والإستقلال والثقة بالنفس .

د. ريتا السلوى عطالله
باحثة في علم النفس وعلم الإجتماع
مديرة متوسطة عين كفرزبد الرسمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!