أخبار محلية

الاكاديمية زينة منصور

لبنان والسقوط في القبضة الإيرانية | زينة منصور

يمر لبنان بمرحلة اقتصادية – سياسية صعبة وتتوقف الحلول على تحديد الخيارات. سقط لبنان تدريجيا وتصاعديا في يد ثقيلة لمحور إيران في المنطقة عبر حزب الله وشركائه المتنوعين من مختلف أركان الطبقة السياسية. فتمت مصادرة قرار الحرب والقرار السياسي والاقتصادي فانهار الوضع بكليته. وقع لبنان بالفخ الاقتصادي بعد السياسي والأمني، فتخرب الوضع وتضاعف الاختناق بالعقوبات. تدرك عواصم القرار باريس وواشنطن ان لبنان أسير محور وجرت عملية اختطافه، وتستشعر الخطر من سقوط الدولة وتلاشيها في مشروع دولة الظل او الدويلة البديلة.

ينهار الاقتصاد اللبناني يوما بعد يوم بعد ان جرت عملية سرقته من محورين: 1- الفساد المُقَونن والمغطى من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، 2- مصالح إيران عبر امتداداتها الداخلية في كل الطوائف. الأمر الذي ألحق ضرراً بلبنان واللبنانيين وأدى الى تهالك النظام الرأسمالي الليبرالي على أثر جريمة تهريب أموال السياسيين والاثرياء ومن ضمنهم اموال حزب الله وحجز أموال المواطنين.

يدرك المجتمع الدولي المهتم بلبنان بأن مصير لبنان مرتبط بمصير إيران وبتطور العلاقات الإيرانية – الاميركية وبمستقبل علاقتها بإسرائيل. وجرت عملية ربط مصير البلدين بحالة تشبه وحدة المسار والمصير اللبناني – السوري خلال الهيمنة السورية. فأضحى لبنان رهينةً لطرفٍ سياسي مرتبط بمحور إقليمي ويقدم مصالح هذا المحور على مصالح لبنان. وهكذا تبدل دور حزب الله من فريق سياسي يرفع شعار مقاومة إسرائيل الى ممثل للمصالح الإيرانية في لبنان وامتداد لنظام ولاية الفقيه. وبعد تفجير الرابع من آب تفجر الوضع كله وسقط ما تبقى من دولة ومؤسسات وتسارعت مراحل الانتقال الى الانهيار المدمر.

باريس واشنطن وحزب الله

تدرك فرنسا – ماكرون من خلال متابعتها للملف اللبناني ان الطبقة السياسية خضعت للوصاية والهيمنة الإيرانية وسقطت رهينتها مقابل تمرير مصالحها. وتعلم أن اللبنانيين أضحوا رهينة طبقة مرتهنة وتَلَبَسَّها الفساد وان على حزب الله ان لا يعتقد انه اقوى مما كان. عكست المبادرة الفرنسية ومتابعة ماكرون الشخصية للوضع عامل التدخل الخارجي. لكن باريس وواشنطن اللتين تتابعان عن كثب تدركان ان حزب الله تحول الى قوة تفوق قدرة اللبنانيين على التغيير من الداخل وإن إعادة الأمور الى نصابها تستدعي تدخل في توقيت وظرف تحدده كل من العاصمتين.

تراقب واشنطن بدورها التحولات في لبنان ووسعت حصارها ليشمل كافة النواحي المرتبطة بحزب الله إضافة الى سياسيين لبنانيين لعبوا ادواراً سياسية او تورطوا بالفساد. وبرغم الاختلاف في الاسلوبين الفرنسي – الاميركي تتعاون فرنسا مع الولايات المتحدة في فرض الحصار والضغط على كل من حزب الله والافرقاء السياسيين. إلا أن هذا التفاهم الثنائي ليس نافعاً دون ترجمته بإرادة ثنائية تقضي بدعم الجيش اللبناني ليصبح القوة الشرعية الوحيدة.

تساهم فرنسا بجهودها ورعايتها للملف اللبناني بجمع أصدقاء لبنان في باريس مرة جديدة بعد أربعة مؤتمرات خلال 27 سنة متتالية من اجل تأمين الرعاية المالية للحكومات المتعاقبة عبر الدول المانحة والصديقة للبنان. وتشترط تنفيذ الإصلاحات لتسهيل مؤتمرين منتظرين، مؤتمر إغاثي عاجل لمساعدة اللبنانيين على تخطي الانهيار الاقتصادي وإعادة إعمار بيروت، ومؤتمر باريس 4 (سيدر). وتنبئ مؤشرات التنسيق الفرنسي – الأميركي بإمكانية فرض عقوبات فرنسية على الطبقة السياسية بعد الأميركية مع تكرار تأكيد الرئيس الفرنسي وقوفه الى جانب اللبنانيين وعدم تركهم لوحدهم في أزمتهم.

حزب الله والدستور والسلام

انتهج حزب الله وحلفاؤه منهجية تغيير الواقع اللبناني من داخل الدستور وهي منهجية معتمدة سراً وعلناً حتى يفرض شروطه على بقية الشركاء، وأصبح الدستور مجموعة أوراق لا قيمة لها. لطالما حمى الدستور مطامع وطموحات حزب الله عبر حلفائه من كل الطوائف لتأمين الحماية له وللخطوات التي ساعدته بالانقلاب على الدولة مرات عدة والتي تُرجمت على ارض الواقع بوضع اليد على مؤسسات الدولة والاقتصاد والمال والامن.
كما حمى أركان السلطة حزب الله مباشرة ضمن معادلة الفساد في حماية السلاح والسلاح في حماية الفساد. يقول التاريخ اللبناني إنه حينما يتجاوز أي حزب في مشروعه سقف المصالح العليا للدولة يسقط الاثنان في مصيدة التدخل الخارجي والهلاك الشامل. عمليا وبالنسبة لحزب الله لا قيمة للدستور الذي لا يؤمن به إلا من باب تأمين الحماية والغطاء له لاستكمال السيطرة وإن تهالك البلد وانهار أكثر.

استولدت مشكلة حزب الله مشاكل عدة في وقت يذهب الخيار في المنطقة باتجاه تبلور مسار السلام. الامر الذي قد يدفع مستقبلا بطوائف لبنان المتضررة من انهيار الدولة الى الاتجاه نحو إعلان قرارها او خيارها بتأييد اتفاق الهدنة او ربط نزاع او ربما إعلان انتهاء الحرب مع إسرائيل وحل مشاكل الترسيم البرية والبحرية بالأقنية الديبلوماسية.
تشبث حزب الله بتمسكه بدوره العسكري المرتبط بقرار إقليمي وهو غير مقتنع بعملية الانتقال من الدور العسكري الى الدور السياسي. وقد تتبلور التطورات باتجاه تَشَكُّل قوى متنوعة تطالب مجلس الأمن بتطبيق القرارات الدولية او تفعيلها او صدور قرار جديد يساعد على إنهاء الأزمة بتفرعاتها السياسية والأمنية والاقتصادية، وذلك تحت مظلة السقف الفرنسي – الأميركي. علما أنه تم التلويح بصدور قرار تحت البند السابع من الميثاق ينص على تجريد أي فريق من السلاح وحصره بالجيش اللبناني.

بكركي ونهاية المهادنة

يشكل موقف بكركي نقلة نوعية لا بل انقلابا على مهادنة حزب الله والمتعاونين معه من كافة الطوائف. ويُعرف عن البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بأنه أكثر مهادنة لسوريا وإيران وحزب الله من سلفه البطريرك مار نصرالله بطرس صفير. وعليه تقوم بكركي بكل المطلوب منها لإعادة الأمور الى نصابها مسيحياً ولبنانياً وتضع منطلقات حل عبر إعلانها لورقة الحياد ودعوة الافرقاء الى الالتفاف حولها ووضع خارطة طريق لتنفيذها.

يشخص البطريرك الماروني مشكلة لبنان في ورقة الحياد الإيجابي الناشط ويقر بخطورة سيطرة فريق على الدولة والاقتصاد والأمن والسياسة. توقن بكركي أن الوضع يتطلب موقفا وتدرك ان انقسامات المسيحيين تساهم بإضعافهم. فأطلقت مبادرة حياد لبنان من أربعة نقاط وشخصت فيها مشكلة لبنان.
وضعت بكركي يدها على الجرح عندما قالت إن المشكلة في لبنان بدأت مع اتفاق القاهرة 1969 الذي فرض على لبنان أن تكون أراضيه منطلقاً للكفاح المسلح لمحاربة إسرائيل. الامر الذي ترتب عليه كوارث بدءاً من التدخل الفلسطيني الى السوري الى الإيراني.
تعتبر ورقة الراعي بنقاطها الأربعة نقطة تحول وممرا للخروج من الازمة لم تتقدم ورقة سياسية إصلاحية بوضوحها. فهو يطالب الداخل والخارج ب 1. إبعاد لبنان عن المحاور والتدخلات الخارجية ورهن قراره بقوى خارجية وبالتالي الخروج من مفاعيل اتفاق القاهرة والعودة الى صيغة اتفاق الهدنة 1949.
2. تفكيك مخازن الأسلحة المنتشرة في كل المناطق.
3. تمكين الجيش اللبناني وحصر قرار الحرب والسلم بيده.
4. ويسأل “بأي صفة تطالب طائفة بحيازة وزارة معينة كأنها ملك لها؟”.
يقوم البطريرك بكل ما باستطاعته للمحافظة على موقع بكركي الوطني والحامي للدولة ويقدم خارطة طريق فاتحاً الباب لبلورتها لدى القوى الوطنية القادرة على تبنيها.

“ثلاثية المستحيل” والمحاصصة

ضاقت الخيارات على اركان الطبقة السياسية وحزب الله وتأزمت الأمور في وجهه وشركاه. الأمر الذي يوحي بإمكانية القيام بخطوة ما للخروج من الحصار والضيق. أخطأ حزب الله حين ظن أن بإمكانه السيطرة على ثلاثية (امن – سياسة – اقتصاد) بنفس سهولة إدراج بند (جيش- شعب – مقاومة) في البيانات الوزارية الإنشائية. فتبين انها المهمة المستحيلة وحلم لا يمكن لأحد القيام به دون الوقوع في مصيدته. إلا أن طموحه بتحقيق المشروع الأكبر قد أعمى البصيرة والذاكرة والخيار، فسقط الكل في تجربة الاختبار. كان الاجدى به الاكتفاء بالدور المقاوم بعيدا عن إغراءات السيطرة على لبنان و”ثلاثية المستحيل”.

أما معضلة المحاصصة فيسهل تجاوزها بانتهاء أدوار من انتهجوها واختزلوا بها الطوائف، إنما يصعب تجاوز حقوق ودور الطوائف كمكونات في لبنان منذ ما قبل اختراع محاصصة الزعماء باسم الطوائف وإطلاق رصاصة الرحمة على اتفاق الطائف. انتهى الاتفاق الأميركي السعودي السوري حينما أصبحت ترجمته العملية تعني “مجموعة من رؤوس الطوائف يوزعون حقوق الطوائف على بعضهم وجماعاتهم ولا يصل للناس شيئاً من حقوقها”. وتجري المحاصصة من فوق رؤوس الناس – أبناء الطوائف – المحرومين من ابسط حقوقهم المسلوبة في العيش الكريم والمواطنة المتساوية وسرقة ودائعهم ومدخراتهم والاقتصاد برمته.

العلمنة والحل

تبقى مسألة العلمنة الشاملة للدولة والمؤسسات وإلغاء الطائفية السياسية عن مجلس النواب ووظائف الفئة الأولى والرئاسات الثلاثة ومداورتها، وهي مسألة تبدو صعبة حتى اللحظة وتبدأ أولى خطواتها بالتخفيف من الطائفية السياسية باختيار الأكفأ المستقل والآدمي غير التابع.

تناولت مواقع التواصل الاجتماعي موقفاً تاريخياً لمذكرات الجنرال هنري فرناند دانتز، الحاكم العسكري للبنان أيام الحرب العالمية الثانية، يذكر فيه انه كان ممثلا لحكومة فيشي في لبنان وكان يتواصل مع المخابرات الألمانية ويعمل سراً مع الجنرال ديغول لتحرير فرنسا من الاحتلال النازي. يكتب أنه ذُهِلَ من السياسيين في لبنان الذين يتوافدون الى مكتبه لإعلان ولائهم لحكومة فيشي وللألمان ويتهمون بعضهم بالعمالة لفرنسا الحرة وبريطانيا.
ويروي أنه حين كان يأتيه البريد السري لديغول كان يتفاجأ بأن السياسيين أنفسهم يراسلون ديغول سرا معلنين تأييدهم لحكومة فرنسا الحرة ومتهمين بعضهم بالعمالة لألمانيا ولحكومة فيشي.

ويخلص في مذكراته بالقول لقد كانوا يقبضون من الجميع ويبيعون كل شيء للجميع، وحين تسألهم عن مطالبهم يقولون نريد لبنان سيدا حرا مستقلا. فإذا ما رحلنا لمن سيبيعون بضاعتهم؟. لكن الجنرال دانتز أغفل ان يذكر أنه هو نفسه كان في تلك الحقبة يلعب دوراً مزدوجاً برره بأنه لهدف تحرير فرنسا واستقلالها وسيادتها.

الأكيد أنه من الممكن أن ينهض لبنان من جديد ويعيد بناء نفسه، لو رفعت كل الدول شرقاً وغرباً والطبقة السياسية المرتهنة لمصالحها وللخارج، يدها عنه.

28/11/2020

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!