حقق البطريرك بشارة الراعي من خلال مواقفه ومبادراته الأخيرة ـ وبغض النظر عن النتائج والخطوات التالية وصوابية وأحقية هذه الطروحات ومدى قدرتها على إحداث تغيير على أرض الواقع واختراق في جدار الأزمة ـ جملة أهداف ونقاط مع:
٭ عودة الروح والدور الى بكركي وتحوّلها ملاذا وقُبلة أنظار المسيحيين والمسلمين ومركز استقطاب لقوى سياسية معارضة افتقدت على امتداد السنوات الماضية الى مرجعية وتسودها خلافات تفصيلية كثيرة ولكنها تلتقي الآن تحت سقف بكركي وعلى دعم طروحاتها.
٭ العودة الى مرحلة الانقسام السياسي التي سادت في مرحلة من المراحل (بين 8 و 14 آذار) بعدما كانت تقدمت الانقسامات الطائفية والمذهبية في مرحلة التسويات.. وبالتالي فإن الفرز الحاصل على الساحة اللبنانية عاد «فرزا سياسيا» على أساس مواقف بكركي ومن معها ومن ضدها.. وتكون النتيجة بالتالي أن الصراع عاد ليكون من جديد بين «توجهين ومحورين ومشروعين» في لبنان.
٭ نقل الأزمة الداخلية الى مستويات متقدمة، لي فقط نقلها من مستوى أزمة اقتصادية اجتماعية الى مستوى أزمة سياسية وطنية وإنما أيضا إضفاء البعد الخارجي والدولي عليها، مع المطالبة بإعلان حياد لبنان وبمؤتمر دولي خاص لحماية وحدته ودولته واستقلاله وسيادته وكيانه.. ومع سعي القوى المتدفقة الى بكركي للبناء على هذا الموقف لتشكيل جبهة وطنية عريضة تستظل بكركي وموقفها الداعي الى تحرير الشرعية والحياد الإيجابي وتطبيق قرارات الشرعية الدولية.
حزب الله يقف أمام تطور داخلي جديد يُنذر بإعادة خلط الأوراق، ويواجه «لاعبا جديدا» هو البطريرك الراعي الذي يحاول الإمساك بزمام المبادرة مع طرح وطني سياسي هو الأكثر وضوحا وجرأة في الوقت الحاضر. ويمكن لحزب الله ظاهرا أن يقلل من شأن هذه المواقف الصادرة عن بكركي ومن شأن هذا الحراك السياسي ـ الشعبي في اتجاهها، وألا يرى في كل ذلك ما يدعو الى القلق والى استشعار خطر عليه.. ولكنه في الواقع يجد نفسه أمام مُعطى جديد يعنيه مباشرةً ولا يمكن تجاهله، ولا بد من التعاطي معه بدقّة متناهية بالنظر لدقّة الأوضاع وحساسية المسائل المطروحة في ظل وضع لبناني «قابل للانفجار» ووضع إقليمي انتقالي وغامض.
يبدو وفق معلومات أولية ومصادر مطّلعة، أن حزب الله الذي داهمته «اندفاعة» بكركي يميل الى تغليب خيار «الاحتواء» على خيار «المواجهة» ويستند موقفه الى العناصر والنقاط التالية:
1 ـ عدم الدخول في سجالات واشتباكات سياسية وإعلامية مع بكركي والبطريرك الراعي وتجنّب المواجهة بالمباشر.. وهذا التوجّه ترجمه السيد حسن نصرالله في خلال خطابه الأخير الذي عرض فيه رفضه للتدويل وأخطاره ولكنه لم يأتِ على ذكر بكركي وسيّدها لعدم رغبته في المساجلة أو المواجهة معها.
2 ـ استعداد الحزب لفتح قنوات تواصل وحوار مع بكركي بدءا من إحياء اللجنة المشتركة واستئناف أعمالها واجتماعاتها في الصرح البطريركي. ويريد الحزب عبر هذا الحوار الثنائي شرح موقفه ودواعي القلق والخشية لديه حيال أمرين: الأول هو دخول جهات داخلية وخارجية على خط بكركي واستخدامها منصّة لاستهداف الحزب والعهد.. والثاني هو مضي بكركي في طرح «التدويل» الذي يفتقر الى مقومات واقعية والى أفق مفتوح.. فهذا الطرح يستوجب من جهة توافقا داخليا ومن غير الممكن الذهاب الى مؤتمر دولي من دون تأمين مظلّة داخلية واقية وأيضا من دون تأمين الشروط والمواصفات الدولية لأن الأزمة الراهنة في لبنان هي أزمة داخلية ولا تشكّل تهديدا للأمن والسلم الدوليين.
3 ـ الدفع في اتجاه تشكيل الحكومة الجديدة كأفضل وأسرع وسيلة لإبقاء الوضع الداخلي تحت السيطرة ولنزع فتيل الانفجار لأزمة متدحرجة على كل المستويات، وفي ظل سباق محموم بين انفراج داخلي ما زال ممكنا عبر حكومة إصلاحات على أساس المبادرة الفرنسية لفتح أبواب الدعم الخارجي.. وبين تدخّل دولي غير ممكن حاليا ولا يُضبط على «الساعة» اللبنانية وطالما أن لبنان ليس أولوية في حسابات المجتمع الدولي وليس مدرجا على الأجندة الأميركية.
“الانباء الكويتية”