ألقى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عظة الأحد وأبرز ما جاء فيها:
“في الذكرى السادسة عشرة لإغتيال المغفور له الشيخ رفيق الحريري رئيس الحكومة الأسبق، باني العاصمة بيروت من ركام الحرببهمّته الساهرة ومفتديها بدم استشهاده، نجدّد التعازي لزوجته السيدة نازك وأولاده وعلى رأسهم دولة الرئيس المكلّف سعد الحريري، وشقيقته الوزيرة السابقة والنائبة السيّدة بهيّة. ونصلّي إلى الله كي يضع حدًّا للقتل والإغتيالات في وطننا، وتعمّ المحبّة والأخوّة الإنسانيّة بين الجميع، ويُعاد بناء بيروت المهدّمة بانفجار المرفأ منذ الرابع من آب، بروح الشهيد رفيق الحريري البنّاء.
إلى متى تحرمون الشعب، أيّها المسؤولون، من حقّه في الخلاص من معاناته، وفي العيش بفرح، وفي ترقّيه الاقتصاديّ والإجتماعيّ؟ لقد تجاوزنا عبثًا الفترةَ المألوفةَ لتشكيلِ حكومةٍ تَعتمد المعاييرَ الدستوريّةَ والميثاقيّةَ أساسًا، ومصلحةَ الشعبِ والوطنِ هدفًا. حانَ الوقتُ لأنْ تستخلصوا العِبرَ من هذا الفشلِ. ألّفوا “حكومةَ الضمير” وليُوقِّعْها ضميركم. فمن المعيب ألّا تبتدعوا مقاربةٍ جديدةٍ تتخطّى العُقدَ والشروطَ والمصالحَ والمزاجيّةَ ورفضَ الآخَر. الشعبُ المقهور يريدُ تشكيلَ فريقٍّ وزاريٍّ نُخبويٍّ، مستقِلٍ، بعيدٍ عن ذهنيّةِ المحاصصةِ الحزبيّةِ، معزّزٍ بذوي خِبرةٍ في الشأنين الإصلاحي والوطنيِّ لمواجهةِ التطوّرات الآتية. الشعبُ يريدُ حكومةً تقومُ على معاييرِ المداورَةِ الكاملةِ وعدمِ احتكارِ الحقائبَ وعدمِ الهيمنةِ على مسارِ أعمالها.
ليس المطلوبُ من رئيسِ الجمهوريّةِ ولا من الرئيسِ المكلَّفِ أن يَتنازلا عن صلاحيّاتِهما الدستوريّةِ ليؤلّفا الحكومة، بل أن يتحاورا ويتعاونا من دون خلفيّات وتحفظات غير مكشوفة. إنَّ الحِرصَ على الصلاحيّاتِ لا يمنع الليونةَ في المواقف، ولا يحولُ دونَ التفاهمِ. لكن، مع الأسف، نلاحظُ أن عمليّةَ تشكيل حكومةٍ جديدةٍ تَتعقّدُ عِوضَ أن تَنفرِجَ،وبهذا تُنزل الأضرار الجسيمة بالدولة واقتصادها ومالها وإستقرار أمنها، وتشلّ مؤسّساتها العامّة، وتفكفك أوصالها، وتذلّ شعبها. بأيّ حقّ تفعلون ذلك؟ لا، ليس هذا هو مفهوم السلطة حيث يعجز أصحابها عن الحوار فيما بينهم على حساب الدولة الآخذة بالإنهيار. وفي المقابل لا يوجد عندنا اليوم سلطة دستوريّة تحسم الخلافات التي تشلّ حياة المؤسّسات الدستوريّة.
لهذا السبب، وإنقاذًا للبنان، دَعوْنا إلى تنظيمِ مؤتمرٍ دوليٍّ خاصٍّ بلبنان برعاية منظمّة الأمم المتحدة. لسنا مستعدّين أن نَدعَ الوطنَ النموذجَ، الذي أسّسناه معًا وبنياه ورفعناه إلى مستوى الأممِ الحضاريّةِ، يَسقطُ أمام الظلاميّةِ أو يَستسلمُ أمامَ المشاريعِ العابرةِ المشرقَ والمخالِفةِ جوهرَ الوجودِ اللبنانّي. لقد آليْنا على أنفسِنا، طوالَ تاريخِنا، أن نُعطيَ الأولويّةَ للحلولِ الحضاريّةِ والسياسية والدبلوماسيّة، لا للحلول العسكريّة.
مثل هذا المؤتمرُ الدوليُّ لا ينتزعُ القرارَ اللبنانيَّ والسيادةَ والاستقلال ـــ وهي أصلًا مفقودةٌ حاليًّا ـــ بل يَنتزِعُها من مصادريها ويُعيدُها إلى الدولةِ والشرعيّةِ والشعب، إلى لبنان. المؤتمرُ الدوليُّ يَنزعُ التدخّلاتِ الخارجيّةَ التي تمنعُ بلورةَ القرارِ الوطني الحرِّ والجامع، ويُثبِّتُ دولةَ لبنان ويَضمنُ حيادها الإيجابيّ. ويبقى على الأمم المتّحدة أن تجدهي الوسيلة القانونيّة لتقوم بواجبها تجاه دولة لبنان التي تتعرّض للخط