الحرة بيروت – بقلم: كارين عبد النور
يطلّ علينا اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة ونحو مليون لبناني، معنيّين مباشرة، ينتظرون مصيرهم المعلّق بين مسألتين: اتفاقية أممية صادق عليها البرلمان اللبناني في العام 2022؛ وتقاعُس الحكومة عن إيداع صك إبرام لدى الأمين العام للأمم المتحدة ينضم لبنان من خلاله رسمياً إلى الاتفاقية المذكورة والبروتوكول الخاص بها. فمن يضمن حقوق هؤلاء، لا سيّما في أزمنة اشتداد وطيس الحروب والأزمات؟
يحتفل العالم في الثالث من كانون الأول/ديسمبر سنوياً باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة. وهي مناسبة عالمية أقرّتها الأمم المتحدة في العام 1992 بهدف تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وزيادة الوعي تجاه التحديات التي يواجهونها، والعمل على دمجهم الكامل في جميع جوانب الحياة.
لبنان والدول العربية: رحلة التحديات
ويعاني الأشخاص ذوو الإعاقة في العالم العربي من تحديات متشعّبة تشمل – من بين معوّقات أخرى – البنى التحتية غير المهيأة، التمييز الاجتماعي، والافتقار إلى السياسات الحكومية الداعمة. وبالرغم من الجهود المبذولة، لا تزال الفجوة عميقة بين القانون الدولي رقم 220/2000 الذي يرمي إلى ضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، من جهة، وبين التطبيق الفعلي على أرض الواقع، من جهة أخرى، بسبب نقص التمويل وغياب آليات رقابة فعّالة.
وفي لبنان تحديداً، تزداد تعقيدات هذا الملف في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية المتراكمة، حيث تشير التقديرات (نظراً لنقص الإحصاءات الشاملة) إلى أن زهاء 10 إلى 15% من سكان لبنان (أي ما قد يصل إلى حوالى مليون شخص) يعانون من نوعٍ من أنواع الإعاقة – سمعية أكانت أو حركية، أو بصرية أو ذهنية. ومع ذلك، فإن الوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية والتوظيف، لا يزال محدوداً.
أما في سوريا، فتشير تقارير الأمم المتحدة إلى ارتفاع ملحوظ في عدد الأشخاص ذوي الإعاقة نتيجة الحرب المزمنة هناك، ليصل الرقم إلى ما لا يقل عن 1.5 مليون شخص يعانون من إعاقات دائمة.
إنتقالاً إلى غزة الجريحة، حيث تلفت تقارير إلى أن أكثر من 48,000 شخص يعانون من إعاقات نتيجة الحروب المتكرّرة والحصار المتواصل الذي يخنق القطاع.
في حين أن تقارير الأمم المتحدة تتحدّث عن أن قرابة 4.5 مليون شخص في اليمن يعانون من الإعاقة، وقد تفاقم وضع هؤلاء بسبب الأعمال الحربية التي دمّرت في السنوات الأخيرة البنية التحتية الصحية والاجتماعية للبلاد.
الفئة المنسية في زمن الحروب
في خضمّ النزاعات والصراعات التي يشهدها عدد غير قليل من الدول العربية، تبقى الفئات الأكثر ضعفاً هي نفسها الأكثر تضرّراً. إذ غالباً ما يهمَّش الأشخاص ذوو الإعاقة فتتعمّق معاناتهم تحت زخّات القصف ومشاهد الدمار والظروف الطارئة التي تفرضها عليهم المتغيرات الحياتية.
في حديث لجريدة “الحرة”، عبّر وائل (إسم مستعار لشاب لبناني من ذوي الإعاقة) عن معاناة الآلاف ممن اضطروا مثله للنزوح من منازلهم باتّجاه أماكن آمنة. “شكّل الانتقال تحدّياً كبيراً بالنسبة لي. فأنا اعتدت على عالمي الخاص في منزلي وعلى كيفية التعاطي مع الأمور اليومية من مأكل وملبس واستخدام المرحاض والاستحمام. لم يكن مركز الإيواء مؤهّلاً لاستقبالنا، نحن الذين نحتاج إلى رعاية خاصة. وهذا هو صراعنا الحقيقي في أيام السلم والحرب، لا فرق، في هذا البلد”.
لبنان الذي وقّع على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة عام 2007، وصادق عليها في العام 2022، لا يزال متخلّفاً عن تنفيذ أي سياسة تتعلق بالإدماج الاجتماعي لهؤلاء ومنحهم حقوقهم. “نطالب الدولة اللبنانية العمل على إدماج قضايا الإعاقة في خطط الاستجابة الإنسانية، لتشمل الجهود الإغاثية خدمات مخصّصة لنا، مثل توفير الأطراف الصناعية أو الأدوات المساعِدة. كما نطلب من المجتمع السعي لتغيير نظرته إلينا ومساعدتنا تحقيقاً لدمجنا بدلاً من رفضنا. صحيح أننا مختلفون في الشكل لكن من حقّنا أن نعيش كأي فرد آخر على أرض الوطن”، كما ناشد وائل.
لبنان: بين القانون والإنسانية
في هذا السياق، صدر يوم أمس بيان عن جمعيات معنيّة بالأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان تطرّق إلى ما أنتجته الحرب الأخيرة من إعاقات جسدية ونفسية أصابت الآلاف، في وقت لا يزال فيه وضع الأشخاص ذوي الإعاقة هشاً في مناطق الصراع ومراكز الإيواء. من هنا، دعت الجمعيات المعنيّة الدولة إلى تحمُّل مسؤولياتها تبنّياً لمقاربة حقوقية في التعاطي مع مسألة الإعاقة.
وأضاف البيان: “لقد خطت الدولة خلال هذا العام خطوات مهمة تجاه التعاطي مع قضية الإعاقة تمّ ترجمتها بموافقتها على التوقيع على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. إلّا أن الحوادث الأخيرة أظهرت أن فئة الأشخاص ذوي الإعاقة لم تؤخذ بالاعتبار في استراتيجيات وسياسات لجان الطوارئ، ما يؤكّد أنه لا يوجد حتى الآن جدية في التعامل مع هؤلاء الأشخاص كفئة اجتماعية أساسية من مكونات المجتمع اللبناني”.
الاتفاقية الأممية لحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة (CRPD) التي وقّع عليها لبنان لا تزال تنتظر مصيرها المجهول. ففي اتصال مع السيّد وليد حيدر، مدير مكتب وزير الخارجية اللبناني، عبدالله بو حبيب، سمعنا أن المرحلة الأخيرة لتنفيذ الاتفاقية والمتعلقة بإيداع صك الإبرام لدى الأمين العام للأمم المتحدة – الذي يوقّعه كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الخارجية – لا تزال معلّقة بسبب الشغور الحاصل في سدّة الرئاسة اللبنانية.
لكن لماذا لم يوقَّع الصك كغيره من المراسيم الاستثنائية التي سبق ووقّعت عليها حكومة تصريف الأعمال؟ يجيب المستشار والخبير القانوني الدولي، الدكتور عبده جميل غصوب، في اتصال مع جريدة “الحرة”، إلى أن السلطة تناط وكالة، بسبب الشغور الرئاسي، بمجلس الوزراء. “راح الأخير يوقّع بالإجماع على مراسيم هي بحاجة أساساً لتوقيع رئيس الجمهورية. وحين طالت فترة تصريف الأعمال، أخذت صلاحياته بالاتّساع حيث أعلن المجلس الدستوري أن مصالح المواطنين أهم من المبادئ والقواعد الدستورية. فالسؤال هنا يتمحور حول ما إذا كان المرسوم المتعلّق بالأشخاص ذوي الإعاقة ضرورياً أو يمكن تأجيله لحين انتخاب رئيس للجمهورية. هذا إذا ما أخذنا أيضاً بالحسبان أن إبرام المعاهدات هي صلاحية لصيقة برئيس الجمهورية ولا تنتقل وكالة إلى مجلس الوزراء”.
أياً تكن التفسيرات القانونية، فإن قضية الأشخاص ذوي الإعاقة ليست مجرّد قضية فردية؛ بل هي مقياس لمدى تطوُّر المجتمعات وارتفاع منسوب وعي أفرادها. فالدول التي تنجح في تمكين جميع مواطنيها، بغض النظر عن قدراتهم، تكون أكثر استعداداً لبناء مستقبل مستدام وشامل. لعلّ المناسبة اليوم تلد فرصة لحثّ المعنيين على “نبش” هذا الملف المرميّ في غياهب أدراج التأجيل. وإن تطلّب الأمر تأمين مصالح ذوي الإعاقة من خارج الاتفاقية، كي لا يبقى مصيرهم رهن تلكّؤ لا مبرّر له.