كتب الباحث في شؤون مكافحة لارهاب الاستاذ بيار جبّور في موقع الخبر:
تشهد الساحة الدولية تصاعدًا مقلقًا في وتيرة الهجمات الإرهابية التي تحمل بصمات إيرانية، لاسيما تلك التي تستهدف المعارضين الإيرانيين وأعداء إيران في مختلف أنحاء أوروبا.
في ظل هذا التصعيد الخطير، تكشف تحقيقات وتقارير استخباراتية عن دور متزايد لطهران في دعم وتنظيم هذه العمليات الإرهابية. وتلعب كيانات إجرامية منظمة مثل “فوكستروت” و”رومبا” دورا محوريا في توفير الغطاء اللازم لإيران لتنفيذ أجندتها التخريبية، مما يجعل من الصعب تتبع الجناة ومحاسبتهم.
شبكات إجرامية تديرها إيران
كشف جهاز المخابرات البريطاني MI5 عن حملة إيرانية لاستهداف الأراضي البريطانية، مستخدمًا شبكة واسعة من المجرمين كأدوات لتنفيذ مؤامرات بلغ عددها عشرين منذ بداية العام الماضي، وتشكل تهديدًا مباشرًا لأمن المملكة المتحدة ومواطنيها. بألف يورو فقط، يمكن لأي شخص أن يصبح جزءًا من آلة القتل الإيرانية التي أظهرت كفاءة في استغلال الفجوات الأمنية.
شهدت أوروبا ارتفاعًا حادًا في الأنشطة الإيرانية بعد فشل مؤامرة تفجير كانت مزمعة في باريس عام 2018. فبدلاً من الاعتماد على عناصرها الرسمية، لجأت إيران إلى استغلال الشبكات الإجرامية لتنفيذ عمليات خارجية، مثل الاغتيالات والخطف. وتشير دراسة لمعهد واشنطن إلى أن الحرس الثوري الإيراني ووكالة الاستخبارات الإيرانية هما من يقودان هذه العمليات، ويجندان المجرمين لتنفيذ أجندتهم في “القارة العجوز”.
من طهران إلى شوارع أوروبا
تستغل إيران بشكل متكرر بعض العصابات الإجرامية المنظمة البارزة، مثل “فوكستروت” و”رومبا” السويديتان و”هيلز أنجلز” العالمية، لتنفيذ هجمات ضد اهداف أجنبية وإيرانية معارضة، في جميع انحاء أوروبا. الدوافع الكامنة لهذه الإجراءات من قبل إيران تساعدها على إنكار مسؤوليتها المباشرة عن الهجمات وعدم تحميلها المسؤولية الجنائية، لتجنب الرد المضاد عليها من قبل الدول المستهدفة.
أيدي خفية
تستخدم إيران بشكل متزايد تجار المخدرات وغيرهم من المجرمين في إيران كوسطاء لتجنيد مجرمين لتنفيذ هجمات خارجية. ومثال على ذلك قضية “أوميت ب.” تاجر المخدرات من منطقة ليون في فرنسا ذو الأصول التركية، بحيث تفيد بعض التقارير إنه يعمل الآن من إيران. وذكرت مجلة “دير شبيغل” الألمانية أنه “وفقًا للاستخبارات الغربية، يسمح له بالاختباء في البلاد بعيدًا عن متناول المحققين الأوروبيين. في المقابل يساعد النظام في التخطيط لهجمات ضد “معارضين وأعداء الجمهورية الإسلامية الإيرانية”. ويتشابه ذلك مع حالة ناجي إبراهيم زندشتي الذي وصفته وزارة الخزانة الأمريكية بأنه تاجر مخدرات مقيم في إيران تدير شبكته الإجرامية الكثير من عمليات القمع العابرة للحدود بما في ذلك الإغتيالات والخطف عبر ولايات ايرانية متعددة في محاولة لإسكات منتقدي النظام الإيراني. وتشير وزارة الخزانة الأمريكية إلى أن قوات الأمن الإيرانية تحمي زندشتي وإمبراطوريته الإجرامية مما يمكنه من الازدهار في سوق المخدرات في البلاد والعيش برفاهية بينما تقوم شبكته بتنفيذ عمليات قمع شنيعة نيابة عن الحكومة. وتُظهر البيانات أن إيران تستفيد بشكل متزايد من هذه الشبكات الإجرامية في عملياتها الدولية، من دون أن تستخدم الأفراد ذات الماضي الإجرامي فحسب، بل جماعات الجريمة المنظمة أيضًا.
لبنان وشبكات إيران
حكمت المحكمة الدولية على أعضاء من “حزب الله” بإغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. هذا الإغتيال لا يمكن ان يتم إلا بمعرفة وتخطيط إيراني، من خلال تنفيذ عملائها في الداخل أي “حزب الله” خطتها. وهكذا تحمل الحزب المسؤولية من دون المساس بإيران او إظهار أي دور لها في هذه العملية. وبما أنه نسخة طبق الأصل عن الحرس الثوري وأجهزة المخابرات الإيرانية قد يلجأ في بعض الأحيان إلى عصابات سرقة السيارات او المخدرات لتنفيذ أعمال خطف او إغتيال. وفي حال تكشّفها يتم تحميل المسؤولية الجنائية إلى تلك العصابات بعيداً عنه. وهناك مثل صارخ على هذا الموضوع هو عملية خطف وقتل منسق منطقة جبيل في “القوات اللبنانية” باسكال سليمان. حيث نفى الحزب أي علاقة بالموضوع وبينت التحقيقات غير المكتملة مسؤولية الخطف والقتل لعصابة معروفة باعمال السرقة، لوجود زعيم العصابة ومساعده في سوريا.
تستخدم إيران العمليات الخارجية كسلاح استراتيجي متعدد الأوجه، تستهدف به خصومها المتنوعين، من المسؤولين الحكوميين إلى المدنيين، ومن المعارضين السياسيين إلى الطلاب الجامعيين. فمن خلال استهداف شخصيات بارزة كقاسم سليماني، تسعى طهران للانتقام وتخويف خصومها، ساعيةً إلى زعزعة الثقة في المجتمعات الغربية، وتصدير صراعاتها الداخلية والإقليمية إلى الخارج، وتحويل أوروبا إلى ساحة معارك جديدة