كتبت الصحافية كارين عبد النور في موقع hora 7
“خطر داهم يهدّد مناطق الشوف، الدامور، بعبدا، المتن، كسروان، جبيل، البترون، الكورة، زغرتا، بشري وعكار. فبناء لطلب من “حزب الله” وبموافقة رئيس مجلس النواب، نبيه بري، وبتنفيذ من وزير النقل والأشغال، علي حمية، يتمّ التحضير لمشروع قانون تحت إسم “قانون الملكية غير المكتملة”. وهو يسمح ببناء مساكن مؤقتة للنازحين من الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية والبقاع في مشاعات الدولة اللبنانية. وبعد خمس سنوات تتحوّل هذه الأراضي ملكاً للنازحين تحت مسمّى الأملاك غير المكتملة”.
هذا نصّ خبر انتشر قبل أيام على وسائل التواصل الاجتماعي مُحدِثاً توتّراً وجدلاً ومثيراً تساؤلات ومخاوف حول مستقبل لبنان على الصعيدين السياسي والاجتماعي. قد يكون المضمون دقيقاً وقد لا يكون. لكن في ظلّ تزايُد ردود الأفعال وانتشار التحليلات حول ما قد يسبّبه المشروع المزعوم من تعميق للأزمة الداخلية وإثارة الفتنة بين اللبنانيين، لا بدّ من الوقوف عند الرأيين القانوني والسياسي ذات الصلة.
في القانون
في حديث لجريدة “الحرة”، أشارت رئيسة تجمّع مالكي الأبنية المؤجّرة في لبنان، المحامية أنديرا الزهيري، إلى أن الملكية العقارية هي حقّ استعمال عقار أو مبنى ما والتمتّع والتصرّف به ضمن حدود القوانين والقرارات والأنظمة. وتكون الملكية العقارية إما ملكاً خاصاً للأفراد أو للدولة أو للبلديات والمؤسسات العامة التي تتمتّع بالشخصية المعنوية، حيث يكون قابلاً للتصرّف والتنازل والتأجير والبيع؛ أو ملكاً عاماً لا يجوز التنازل عنه أو بيعه، وهو معدّ للاستعمال من أجل المصلحة العامة، لا الخاصة، ولا يمكن أن تُكتسب ملكيّته مع مرور الزمن.
المحامية أنديرا الزهيري
المحامية أنديرا الزهيري
أما مصطلح “قانون الملكية غير المكتملة”، فلم يلحظه القانون الذي اقتصر على نظام الملكية العقارية والحقوق العينية غير المنقولة، إضافة إلى الأملاك العمومية. وبحسب الزهيري، فإن الملكية غير المكتملة هي الأراضي التي لا يتوفّر لها سند تمليك، أو المشاعات والأملاك التابعة للدولة والتي تتضمّن الأحراج والسهول والمساحات الشاسعة. وقد تكون الأراضي المتروكة وغير الممسوحة التي لم يصدر فيها علم وخبر وغير المحدَّدة بأي مسح إلزامي أو اختياري. فقد يمكن اكتساب ملكية هذه الأراضي مع مرور الزمن الخماسي أو العشري.
نسأل عن مشروع القانون المزعوم، والذي لم يتمّ تأكيد الموقف الرسمي حياله بعد، فتجيب الزهيري: “هذا المقترح لا يجب أن يمرّ مرور الكرام. ففي حال كان صحيحاً، فهو سيُعَدّ احتلالاً صارخاً للملك العام الذي لا يجوز التنازل عنه تحت أي مسمّى، وذريعة لقوننة احتلال واستباحة ملك الغير دون وجه حقّ ودون ضوابط، وفضيحة تنسف مقوّمات ما تبقّى من أصول الدولة. وسنكون أمام خرق فاضح للقانون والدستور”.
الزهيري ترى الحلّ في توزيع النازحين بشكل مدروس على بيوت جاهزة تليق بسكن العائلات، وضمن بقع جغرافية قريبة من بلداتهم وقراهم من أجل عدم الابتعاد عن مزارعهم وبساتينهم، والحدّ من أي صدامات قد تنتج عن اختلاف العادات والتقاليد بين منطقة وأخرى. “نأمل ألّا يتمّ هضم المساعدات كما حصل في حادثة انفجار مرفأ بيروت، وأن يجري استخدامها لتأمين بيوت جاهزة للنازحين، كون مراكز الإيواء والمدارس لم تعد كافية وباتت مهدَّدة بالانهيار لعدم توافر معايير السلامة العامة”.
… وفي السياسة
رئيسة جهاز التشريع والسياسات العامة في حزب “الكتائب اللبنانية”، المحامية لارا سعادة، لفتت بدورها في اتصال مع جريدة “الحرة” إلى تواصُل الجهاز بعد انتشار الخبر مع الأفرقاء المعنيّين، من رئاسة الحكومة ولجنة الطوارئ إلى مجلس النواب. “ما فهمناه هو أن المنظمات الدولية وهيئة الأمم المتحدة اقترحت مع بدء الأزمة اعتماد المنازل الجاهزة ووضعها في بعض المشاعات العامة تأميناً للإيواء المؤقت للنازحين. لكن يبدو أن من طرح الفكرة ليس ضليعاً بتركيبة المجتمع اللبناني التعدّدي والحساسيات بين مكوّناته نتيجة تجارب سابقة، أو التخوّف من تغيير ديمغرافي وتوسّع ممنهج لـ”حزب الله” في بعض المناطق. فكلمة “مؤقت” تنطلق من إطار إنساني لتتحوّل إلى سياسة قضم وتوسُّع مسبّبة إشكالات وفتن داخلية”.
سعادة طمأنت إلى عدم تبنّي الحكومة للطرح وقيام القوى الأمنية بدورها، إذ أصبح واضحاً للجميع أنه قد يتحوّل إلى مشروع فتنة أو حرب أهلية. وأضافت أن من قام بنشر الخبر (مجهول المصدر) يحاول إشعال الفتنة وإحداث بلبلة وتجييش للرأي العام، لا سيّما وأن المناطق المذكورة فيه تشهد إشكالات وحساسيات على خلفية مصادرة النازحين لبعض المنازل أو محاولة البناء بطريقة غير شرعية.
بالنسبة للحلول البديلة، خاصة وأن عدد النازحين قد ناهز المليون و400 ألف نازح، والعودة إلى قرى الجنوب والبقاع لن تكون قريبة في حال طال أمد الحرب، تقول سعادة: “يستحيل السماح بإقرار قانون الملكية غير المكتملة. هدفنا الأساسي في حزب “الكتائب اللبنانية” هو عودة الأهالي إلى أراضيهم بأسرع ما يمكن. لذا، نشدّد على أهمية الضغط على طرفَي النزاع لوقف إطلاق النار. فمجرّد الحديث عن حلول بديلة يعني مشروع تهجير دائم، ما سيؤدّي إلى تفريغ الجنوب والبقاع وتحويلهما إلى منطقتين خاليتين من السكان، وهذا غير وارد لدينا في السياسة”.
ختاماً، أسفت سعادة لعدم توافُر الإمكانات لدى الدولة “العاجزة” للذهاب إلى أبعد ما ذهبت إليه من حلول. لكن كون الأوضاع في سوريا باتت أكثر أماناً منها في لبنان، فإن ترحيل النازحين السوريين المتواجدين بأعداد كبيرة داخل الأراضي اللبنانية ضروري لغرض توفير مزيد من أماكن الإيواء للنازحين اللبنانيين. الحلول لا بدّ وأن يفرضها ضغط سياسي ودبلوماسي لئلّا ينزلق البلد في متاهة احتكاكات واشتباكات داخلية تشعل الفتنة بين أبنائه.
الأملاك الخاصة بخطر
على أي حال، يأتي الخبر المتداوَل في وقت يفرض فيه النزوح غير المنظّم تداعياته على أصحاب المباني المؤجّرة في لبنان. فثمة تخوُّف لدى هؤلاء من استملاك النازحين للمنازل ورفض الخروج منها، لا سيّما وأن العودة إلى مناطقهم شبه مستحيلة راهناً.
الزهيري أكّدت على ضرورة عدم حصول أي استملاكات من قِبَل النازحين، ما يشكّل مخالفة دستورية صارخة وانتهاكاً لحق الملكية الفردية. وتابعت: “إجمالاً، يتحفّظ المالكون القدامى على تأجير أملاكهم في ظلّ الظروف الحالية كي لا يعيد التاريخ نفسه. فهم ذاقوا لوعة تمديد مهل الإيجارات بسبب الظروف الاستثنائية لأكثر من 70 سنة ولا زالت قضاياهم عالقة أمام المحاكم. وإن حُرّرت منازلهم، فهم سيستعيدونها بحالة اهتراء وتصدُّع وتآكُل وخطر الانهيار بفعل الترك ومرور الزمن”.
وعرّجت على ممارسات مثيرة للشكّ يُقدم عليها بعض المستأجرين القدامى، حيث يقومون بتسليم مفاتيح الشقق إلى نازحين لقاء مبالغ مالية دون عِلم صاحب الملك. ناهيك بمستأجرين جدد من الجنسية السورية يبادرون إلى تأجير الشقق لنازحين لبنانيين وينتقلون إلى السكن لدى أقاربهم مستغلّين غياب المالكين أو سفرهم. “بدأنا نلاحظ عودة مصطلح “الخوّة” إلى الواجهة، ومفاده عدم تسليم النازح للشقة قبل نيل مبلغ مادي معيّن من صاحب الملك. لا يمكن للدولة أن تتهرّب مجدّداً من مسؤولياتها وإلّا سنكون أمام كارثة حقيقية ستظهر نتائجها بعد الأزمة”.
موجة النزوح غير المسبوقة الحالية خلقت اكتظاظاً سكانياً عشوائياً. وتحوّل انتقال النازحين إلى أماكن كانت تُعتبر آمنة إلى تهديد بحدّ ذاته لها بسبب أبنيتها القديمة والهشّة وغير القادرة على استيعاب أعداد المنتقلين. يُضاف ذلك إلى خطر حصول انهيارات من جرّاء تأثّر المباني بالضربات الجوية والاهتزازات الناتجة والمزعزعة لأساساتها. فإلى متى ستواصل الدولة انتهاج سياسة الحلول الترقيعية؟
كارين عبد النور _ “قانون الملكية غير المكتملة”… واقع لبناني آتٍ أم خيال؟