أخبار محلية

كارين عبد النور ـ حوادث الغرق على الشواطئ اللبنانية: الطبيعة لا ترحم الإهمال

 

كثرت في الآونة الأخيرة حالات الغرق قبالة الشواطئ اللبنانية. فأكثر من 30 جثة وُجدت عائمة خلال العام 2024 على شواطئ الرملة البيضاء وطرابلس وعكار والبترون وغيرها. تحذيرات قوى الأمن الداخلي والمديرية العامة للدفاع المدني من ارتفاع الأمواج وسرعة حركة التيارات البحرية بسبب تسارُع حركة المدّ والجزر حاضرة. إلّا أن عدم التقيّد بإرشادات السلامة العامة يحول دون الحدّ من تكرار حوادث الغرق المؤسفة هذه، والتي كان آخرها قبل أيام.

بحسب ما أفادتنا المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، فقد بلغ عدد الغرقى على الشواطئ اللبنانية خلال العام الحالي (حتى تاريخ 18/07/2024) 31 غريقاً، 15 منهم لبنانيّو الجنسية و10 من الجنسية السورية. معظم الحالات تعود لذكور (97% من الغرقى)، في حين أن معظم الضحايا لا تزيد أعمارهم عن 35 عاماً. فهل هي التغيّرات المناخية خلف كثرة الحالات فحسب أم أن لنقص التوعية وغياب الدور الفاعل للبلديات ووزارة الأشغال العامة والنقل دوراً أيضاً؟

بين غياب الثقافة وضعف الرقابة

يقول مدير معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند اللبنانية، الدكتور منال نادر، في حديث لجريدة “الحرّة” إن عمليات الغرق التي يشهدها لبنان مؤخراً ليست مقتصرة على الشواطئ والبحار إنما هي تتكرّر في الأنهر والبُرك وخزانات المياه. “هذا ما يدلّ على أن السبب يعود إلى قلّة المعرفة وغياب ثقافة التعاطي مع المياه والاستخفاف بقوة عناصر الطبيعة. من هنا، يجب التركيز على تثقيف روّاد البحار – لا سيّما من يقطنون المناطق البعيدة عن المياه – وقيام البلديات والوزارات المسؤولة بتحديد المسابح الشعبية الآمنة للسباحة”. وإذ شدّد نادر على الدور الفاعل الذي يجب أن يضطلع به حرّاس الشواطئ، أسف لعدم قيام البلديات، بالتعاون مع وزارة الأشغال، بتعيين هؤلاء لحماية روّاد الشواطئ المصنّفة “شعبية”، والتي تقع مسؤولية حماية زائريها على عاتق الدولة بالدرجة الأولى.

نسأل عن التيارات المائية ومدى تأثيرها على حالات الغرق، فيوضح نادر أنها والأمواج العالية تحدث بشكل دائم، لكن المشكلة تكمن في عدم إدراك كيفية التعاطي معها. فالصيّاد مثلاً لا ينزل إلى البحر حين يكون هائجاً كونه يدرك خطورة ذلك، وأبناء المدن قلّما يتعرّضون لحوادث مماثلة كونهم يتمتعون بثقافة البحر ويعلمون أي من الشواطئ يرتادون. “أتمنّى لو يتمّ إدخال تعليم السباحة ضمن المناهج التربوية وأن تقوم الوزارات بدورها التوعوي والوقائي الفاعل. أما من يقرّر رمي نفسه على شاطئ خطر، وألّا يتقيّد بتحذيرات المديرية العامة للدفاع المدني، فذلك قرار يتحمّل مسؤوليته صاحبه وحده”.

حذارِ التغيّرات المناخية

ومن لبنان إلى تونس مع أستاذ التعليم العالي في جامعة صفاقس والحائز على دكتوراه دولة في العلوم الجيولوجية، الدكتور شكري يعيش. فقد أشار في اتصال مع جريدة “الحرّة” إلى أن حالات الغرق الشاطئية سببها تيارات تُعرف بالـ”Rip Currents” وهي تيارات ساحبة تتشكّل عادة بسبب تضاريس الشاطئ تحت الماء. فعندما تنكسر الأمواج بالقرب من الشاطئ، تتراكم المياه وتخلق تيارات (تتركّز في مساحات ضيّقة) تتدفّق بسرعة نحو البحر. “يمكن لهذه التيارات الساحبة أن تشكّل خطراً على السبّاحين كونها تقذف بهم بعيداً عن الشاطئ. لذا، أوصي بأن يحافظ السبّاح على رباطة جأشه وألّا يقاوم التيار الساحب إذا ما جرفه. فكلّ ما عليه فعله هو السباحة بالتوازي مع الخط الساحلي للخروج من عمق التيار، ثم السباحة عائداً إلى الشاطئ بمجرّد مغادرة منطقة نفوذ التيار”.

من ناحية أخرى، رأى يعيش أن الارتفاع التدريجي لمستوى البحر نتيجة التغيّرات المناخية وذوبان المناطق الجليدية من شأنه أن يخلق “فضاءً” أكبر ويسهّل عملية انتشار الأمواج الكبرى (Propagation) التي تدفع بكميات هائلة من المياه باتجاه الشاطئ. فعندما يكون هناك حواجز رملية اعتراضية (Barres de Sable)ومنحدرات بموازاة الشاطئ، تمتلئ الأخيرة بسرعة فائقة بالمياه. “ينتهي الأمر بالمياه محصورة بين هضبتين (حاجزين من الرمل الطبيعي متوازيين مع خط الشاطئ)، ما يدفعها إلى كسر الحاجز الرملي (من جهة البحر) وبالتالي تفريغ الكميات الهائلة من المياه باتجاه البحر (Effet de Chasse d’Eau). وهذا ما يخلّف تياراً جارفاً قوياً وخطيراً باستطاعته كسر الهضبة أو الحاجز الرملي ورمي الأفراد في عمق البحر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!