كارين عبد النور
في أيار 2022، بدأ العمل بمشروع “تسويق نظام رصد ومتابعة آلي ضد ذباب الزيتون والفاكهة المتوسطية في منطقة المتوسط” من قِبَل وزارة الزراعة – مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية. وجاء ذلك من ضمن برنامج الاتحاد الأوروبي ENI CBC Med الذي يشمل خمس دول مختلفة: اليونان، إسبانيا، إيطاليا، تونس ولبنان. مشروع بحثي بامتياز، يهدف إلى خفض كلفة إنتاج الزيتون، تحسين النوعية وزيادة الإنتاجية من خلال استخدام المصائد الإلكترونية بدلاً من تلك التقليدية. فماذا يخبرنا رئيس مختبر البيوتكنولوجيا، المنسّق الوطني للمشروع، الباحث أحمد البيطار؟
أحمد البيطار
انطلاقة رغم التحديات
المشروع الذي أُطلق في أيلول 2020 وكان يُفترض أن ينتهي في شباط 2023 (ليُمدَّد حتى تشرين الأول 2023 بسبب جائحة كورونا) يهدف إلى مكافحة نوعين من الحشرات: ذباب الزيتون أي الباكتروسيرا (Bactrocera)، وذباب الفاكهة المتوسطية أي سيراتيتس كابيتاتا (Ceratitis Capitata). إلّا أن لبنان، ونظراً للظروف الصعبة التي يمرّ بها ومحدودية الإمكانيات المتوفّرة، اختار الالتزام فقط بمشروع مكافحة ذباب الزيتون. لماذا؟ لأن المساحات المزروعة بالزيتون كبيرة حيث تشكّل 21% من مجمل المساحات المزروعة في لبنان – أي حوالى 53 ألف هكتار. ويشرح البيطار في هذا الصدد: “رغم التحديات التي واجهت المشروع منذ انطلاقته إلّا أن قرار السير به اتُّخذ في أيار الماضي مع اختيار محطّتين اثنتين: الأولى في حاصبيا، وهي الأقرب إلى الجنوب حيث تشكّل مساحة الأراضي المزروعة بالزيتون 39% من مجمل الأراضي المزروعة به على صعيد لبنان؛ ومحطة تلّ عمارة في البقاع حيث يتواجد مدير عام المصلحة، ومنسّق المشروع وفريق العمل”.
ويشتمل المشروع على تجارب ثلاث اتّفقت عليها الدول الخمس المشاركة: الأولى وضع المصائد التقليدية (وهي عبارة عن قطعة كرتون صفراء عليها مادة جاذبة للذباب وأخرى لاصقة) ضمن مساحة لا تقلّ عن 20 هكتار لمراقبة أنواع الحشرات التي التُقطت وكميّتها، على أن توضع مصيدتان أو ثلاث في كلّ هكتار؛ الثانية وضع كميات أكبر من المصائد، منها ما يحتوي على مواد جاذبة ومنها ما لا يحتوي عليها، وذلك لدراسة تأثير زيادة عددها – أي المصائد – على التقاط الذباب؛ أما ثالثاً، فاستخدام ستة أنواع من المصائد التقليدية لتفادي الأنواع التي تلتقط أيضاً الذباب النافع والمفيد لبساتين الزيتون.
ذباب ذكي… ومؤذٍ
نغوص بعد قليل أكثر في مراحل المشروع. لكن هذه جولة سريعة في عالم ذباب الزيتون أوّلاً. فهناك، بطبيعة الحال، الذكر والأنثى منها. وتمرّ دورة حياة الأنثى بمراحل ثلاث: البيضة، اليرقة والعذراء (أي الحشرة البالغة). الذبابة تختبئ خلال فصل الشتاء في التربة على عمق 2 سم أو في فضلات أوراق وأغصان الزيتون. وإذ تتأثر بالحرارة، يتراجع نشاطها حين تتخطى الأخيرة الـ30 درجة مئوية ما يقضي عليها أحياناً. أما الحرارة الأكثر ملاءمة لنموّها، فتتراوح بين 20 و30 درجة مئوية. ويضيف البيطار: “تتزايد حركتها بين شهري آذار وأيار فتخرج من التربة لتتوالى أجيالها (التي يصل عددها إلى خمسة سنوياً) خلال فصلي الصيف والخريف”.
أنثى ذبابة الزيتون
ماذا بعد؟ تبيض الأنثى البالغة من 10 إلى 12 بيضة يومياً من خلال أنبوب وضع البيض، وتوزّع البيض على كافة حبات الزيتون، لتضع في كل حبة بيضة. وهذا يعني أن الحشرة الواحدة تؤذي يومياً حوالى عشر حبات من الزيتون. أما الحشرة، وخلال دورة حياتها الكاملة، فتبيض من 200 الى 250 بيضة. ولنا أن نتخيّل حجم الأذى الذي تتسبّب به.
كذلك، تترك الأنثى البالغة بقعة بنّية داكنة اللون على حبة الزيتون وهو مكان ثقب الأنبوب، فتفقّس البيضة داخل الحبة لتتحوّل إلى يرقة تتغذى من خلال أنفاق أو دهاليز تحفرها داخلها. وهو ما يؤثّر على وزن ونوعية الحبة، ويعرّضها للتعفّن ما يزيد من نسبة حموضة الزيت فيصبح غير قابل للتسويق.
وضع البيض
أهداف وفوائد
من أهداف المشروع الرئيسة، كما يخبرنا البيطار، اللجوء إلى المصائد للحصول على منتج نظيف وصحي وسليم. كيف ذلك؟ “جميعنا نعلم أثر المواد الكيميائية المستخدمة في عمليات الرش من رواسب تؤذي صحة الانسان، كذلك الضرر الذي يحدثه استخدام المبيدات على البيئة. من هنا يخفّف اللجوء إلى المصائد من هذه الاستخدامات وبالتالي يحدّ من مخاطرها”. هذه العملية لا بدّ وأن تنعكس إيجاباً على المزارع والمنتج والمصدّر، كما على المصنّع ومعاصر الزيتون. ناهيك بدخول زيت الزيتون في صناعة العديد من مستحضرات التجميل ما يحسّن من نوعيتها. دون أن ننسى خفض كلفة الإنتاج من خلال توفير تكلفة عملية الرش فترتفع الإنتاجية وجودة المحصول معاً.
هذا ويلفت البيطار إلى أن المزارعين يعانون دوماً من هذا النوع من الذباب الذي يأتي بالأثر السلبي على محاصيلهم. فمنهم من كانوا يلجأون إلى عملية الرش بشكل عشوائي، وآخرون كانوا يضعون في زجاج بلاستيكي مثقوب الفتحة كمية من الماء مضافاً إليها الخميرة وبعض المواد الكيميائية لجذب وحبس الذباب. لكن الفعالية هنا تصبح عرضة للتراجع حين يزداد عدد الذباب.
اليرقة
من المصيدة التقليدية إلى الإلكترونية
صحيح أن المصيدة التقليدية تساهم في مكافحة الذباب لكنها تتطلّب جهداً شاقاً وفريق عمل كبير. إذ ثمة حاجة للتوجه بشكل دوري لمراقبة المصائد المعلقة على الأشجار والكشف على نوعية وأعداد الذباب الذي تمّ التقاطه. في حين أن إدخال المصيدة الإلكترونية من ضمن أهداف المشروع، يسمح بتحليل كافة المعطيات من خلال جهاز تحليل وكاميرا مبرمجة تقوم بالتقاط الصور وإرسالها إلى المختبر من خلال نظام Wi-Fi، حيث يتمّ تحليل الداتا واعتماد طريقة الرش المناسبة.
في الختام، ينوّه البيطار بنجاح إطلاق المشروع والحماس الذي أبداه المزارعون بعد ما لمسوه من فوائد وحسنات نتيجة استخدام المصائد التقليدية في الموسم الماضي. لكن يبقى هدف المشروع الانتقال في المراحل المقبلة إلى المصائد الإلكترونية. وهذا يتطلّب مساندة القطاع الخاص، أو البلديات والتعاونيات الزراعية، أو حتى المهتمين بقطاع الزيتون لغرض تأمينها للمزارعين سعياً للنهوض بمواسم الزيت والزيتون. مشروع واعد لا شك.
المصدر:صفا نيوز